Translated into Arabic by Kefaya.org
رؤية الرئيس بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير يطوفان مروجين لفعلهم الطيب في صالح الفقراء في العالم هو مشهد كافي ليجعل أي مناوئ للإمبراطورية وعولمة الكوربوريشن ينكمش خوفا. ربما بسبب هذا المنظر الاعتراضي، ينقسم التقدميون في رد فعلهم على إعلان الصفقة الكبرى الخاصة بإلغاء الديون. اتفق زعماء البلاد الصناعية من الثمانية الكبار، قبل قمتهم التي سوف تقام الأسبوع القادم في اسكتلندا، على إلغاء ديون 18 من أفقر البلاد في العالم المستحقة لصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي.
بينما البعض من معسكر اليسار رحب بالصفقة، الكثير الآخر منهم ركز على التساؤل حول، “ما هي الحصيلة؟” في حين ذهب البعض الآخر بعيدا باتهامات تقول أن الاتفاقية تؤذي أكثر مما تفيد وألحقوا بتخفيف الديون تبعات ضارة.
بالتأكيد، هناك ما يدعو إلى أن تستريب بصفقة بوش وبلير: أنت غير مضطر لأن تكون ساخرا قويا حتى تتساءل متعجبا لما هو الهدف البعيد الذي يكمن خلف حماسة بوش وبلير. إلا أنه في نهاية المطاف، صفقة الديون، بينما هي بعيدة بعدا تاما عن أن تكون كاملة، هي محصلة تقدم فريد من نوعه – ناتج عقد من ضغوط الحركات الاجتماعية المتزايد. بلا شك، هؤلاء منا من الذين نظموا الحملات من أجل إلغاء الدين أو الذين تعاطفوا مع القضية يجب أن يكتبوا حول الحدود الضيقة التي تتضمنها الاتفاقية والدفع باتجاه تغييرا أكبر. ولكننا يجب أن نقوم بذلك بينما نحتفل أيضا بالتقدم الذي أحرزناه. بدلا من ترك الزعماء يتظاهرون بأن إلغاء الدين نابع من طيبة قلوبهم، يجب أن نصر على أن نعطي الحق لصاحب الحق – مسلطين الضوء على إخلاص النشطاء في جميع أنحاء العالم الذين حركوا قضية الديون الغير عادلة إلى مقدمة الحوار العالمي.
هؤلاء التقدميون الذين يهاجمون صفقة الديون يشددون على أن، حتى بإعلان إلغاء الديون، وزراء مالية الثمانية الكبار يعيدون التأكيد بمنتهي الوضوح على إطار اقتصادي نيوليبرالي. أعلن زعماء الثمانية الكبار، في بيانهم، أن “إنعاش تنمية القطاع الخاص” و”حذف المعوقات أمام استثمار القطاع الخاص، المحلي والأجنبي” يظل محوريا لنموذجهم من أجل التنمية. فيما يخص تخفيف الديون، نص بيانهم على أن “الحكم الخير، والقابلية للحساب، والشفافية” سوف تكون مطلوبة للبلاد التي سوف تتمتع بالإلغاء. تاريخيا، مثل هذه المعايير كانت كلمات شفرة لفرض التعديل الهيكلي على الأمم الفقيرة. طبقا لوزراء الثمانية الكبار، البلد الذي يمارس “الحاكمية الخيرة” هو بلد يحتضن باستقامة وإخلاص اتفاق واشنطن.
بنما الخطاب في بيان الثمانية الكبار يبدو مضطربا، مثل هذه المواقف تأتي كمصطلحات قياسية في الإعلانات الرسمية للسياسة الخارجية. في الممارسة العملية، صفقة الثمانية الكبار لا تخلق شروطا جديدة للإلغاء. إنها تثبت في مكانها فقط الشروط المطلوبة في مبادرة البلاد الفقيرة الغارقة في الديون أو الهيباك (HIPC).
مبادرة الهيباك نشأت في 1996، وتوسعت في 1999، كرد على الكورس الجماعي المتنامي للمدافعين عن المطالبة بإلغاء الديون. وعد برنامج المبادرة بتخفيف ديون 42 بلدا فقيرا “مؤهلا”، معظمهم في أفريقيا جنوب الصحراء. ومع ذلك، تلك البلاد، حتى يتم إلغاء ديونها في ظل مبادرة الهيباك، عليها أن تمضي عبر سنوات من إعادة هيكلة اقتصادها طبقا لبرامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي معا. حتى البلاد التي خضعت لذلك وجدت أن خدمة ديونها، في المتوسط، انخفضت في المتوسط بنسبة 33% فقط. الهدف النهائي لبرنامج الهيباك كان حذف 65% من ديون تلك البلاد – وهو أقل لحد بعيد من الإلغاء الكامل.
في ظل اتفاقية الثمانية الكبار الجديدة، سوف تتلقى 18 بلدا إلغاءا كاملا لديونها المستحقة الى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وربما يمنح لتسعة بلاد أخرى بعض تسهيلات لتخفيف أعباء الديون في تاريخ لاحق. الدول الثمانية عشرة المختارة هي تلك البلاد التي بلغت “نقطة الوفاء الكامل” بشروط الهيباك، وهو ما يعني أنهم قد توافقوا توا مع الالتزامات الاقتصادية المهلكة. وحيث أن صفقة الثمانية الكبار ما تزال تحتفظ بتلك “المشروطية” في مكانها، البلاد الجديدة الراغبة في إلغاء ديونها في المستقبل ما زال عليها أن تتحمل تبعات “التعديل الهيكلي” النيوليبرالي. بشكل واضح، تلك هي المشكلة.
وهكذا يقال، إنه من الأفضل بوضوح بالنسبة للبلاد الفقيرة التي عانت توا من شروط الهيباك أن تستحق إلغاءا كاملا لديونها، بدلا من تخفيف جزئي غير كاف لأعباء الديون. الإلغاء الكامل بنسبة 100% كان واحدا من المطالب الجوهرية للحركة ضد ديون البلاد الفقيرة. وهو المطلب الذي لاقى مقاومة شديدة من الأمم الغنية عبر أعوام من الاحتجاجات الجماهيرية وجماعات الضغط التي لا تكل. بإعطاء المشروعية لهذا المطلب الذي كان ينكر دائما، تضع اتفاقية الثمانية الكبار علامة فارقة على الطريق كسابقة.
هذه النقلة تمثل انتصارا له مغزاه. إنه علامة على تحول مليار دولار على الأقل من الموارد عادت الى الأمم الفقيرة. وما يمكن أن يشكل منطقا قابل للنقاش، أحد الأشكال الأكثر فعالية من المعونات، يسمح إلغاء الديون لتلك البلاد بالاحتفاظ واستخدام أموالها الخاصة في مجال التنمية البشرية لديها. بالتناقض مع ادعاءات النقاد من معسكر المحافظين، مثل هذا الاتجاه ناجح. حتى الإلغاء المحدود الذي تم من خلال مبادرة الهيباك نتجت عنه بعض النتائج الملموسة. إحصائيات البنك الدولي تظتهر أنه بين 1999 و2004، أصبحت الـ 27 بلدا التي تمتعت بتخفيف جزئي لديونها قادرة على ما يقرب من مضاعفة إنفاقها على برامج مكافحة الفقر – في مجال التعليم، والرعاية الصحية، والمياه النظيفة. في أحد الأمثلة، أصبح 2.2 مليون مواطن في اوغندا قادرين على الوصول الى المياه النظيفة كنتيجة لما بعد إلغاء ديون عام 1997.
بعض جماعات المعونة الأوروبية الكبيرة، وحتى التقدميون الصناديد مثل جون بيلجر، اشتكوا من أن، الولايات المتحدة، حتى تمول صفقة إلغاء الديون، سوف تحول بعض الأموال من برامج “المعونة” التي يقوم بها البنك الدولي. سوف تخسر البلاد من المعونة ما سوف تربحه من تخفيف أعباء الديون، هكذا تمضي حججهم. ومع ذلك، تلك هي قراءة خاطئة للحل الوسط الذي تم الوصول إليه من أجل التقدم للأمام بقضية إلغاء الدين. ففي الوقت الذي سوف يعاد توجيه بعض الأموال فعلا، وافقت الولايات المتحدة وبعض الدائنون الآخرون على إتاحة مزيد من الأموال لمعونات “البنك” من أجل الوفاء بالمطالب مما يحقق زيادة في صافي التمويل. بالنسبة لبيلجر والجماعات الخيرية، ذلك يعادل انتصار – رغم أنه جزئي. بالنسبة لهؤلاء من بيننا الذي لا يتطلعون الى تفريغ البنك الدولي من التمويلات كأمر سيئ، يبقى السؤال لماذا يستنفر هؤلاء الدعاة من أنصار الحقوق بهذه الدرجة من “الشروط الإضافية” في المقام الأول.
ربما ما هو أكثر أهمية مما اكتسبناه حاليا، تضع صفقة الديون انصار الحقوق ممن هم في حركة الاحتفال بالنصر في مكانة ممتازة يستطيعون التقدم منها بمزيد من المطالب. إنهاء فرض شروط لإلغاء الديون سوف يكون أسهل منالا الآن حيث يقبل الإلغاء الكامل كأمر قابل للتحقق أخلاقيا وسياسيا. أكثر من ذلك، لن تجد أمم الثمانية الكبار أرضية تستند عليها لترفض انضمام دول أخرى من خارج البلاد الثمانية عشر المنضمين حاليا. بالإضافة الى 20 بلد أخرى موجودين ضمن مبادرة الهيباك فعلا، أنصار إلغاء الديون يستطيعون بذل جهودهم وتركيز انتباههم لتسليط الضوء على النكبة التي لحقت ببلاد فقيرة أخرى مديونة مثل هاييتي، ونيجريا والفلبين، والتي لم تلحق بالبرامج السابقة بسبب صيغ خاصة استخدمها البنك الدولي لتقرير استحقاق البلدان للإعفاء.
وعلى نفس المنوال، الحركة من المفترض أن تفرض قضية الديون “الكريهة” على أجندة الثمانية الكبار، لتتحدى مشروعية الديون التي سببتها أنظمة قمعية في أماكن مثل اندونيسيا، وتشيلي، وجنوب أفريقيا. بينما لم تندرج الديون الكريهة، هكذا، في الصفقة الحالية، فقد ساهمت الاتفاقية في حيوية الحركة القائمة حول القضية على الأقل منذ شنت إدارة بوش حملتها من أجل إعفاء العراق من ديون فترة حكم صدام حسين.
في الأخير، بالإضافة الى إلغاء الشروط وزيادة قائمة البلاد التي تستحق التخفيف، سوف يكون النشطاء قادرين على الاستفادة من سابقة الثمانية الكبار بينما يعملون على توسيع قائمة المؤسسات التي يجب أن تلغي ديونها، وإجبار حتى الدائنين متعددي الأطراف الذين لم يسلط عليهم الضوء مثل بنك تنمية ما بين الأمريكتين حتى تطبق عليه نفس المعايير المطبقة على المؤسسات المالية الكبرى مثل البنك الدولي وصندوق الدين.
صفقة إلغاء الديون تمثل نجاحا يمكن قياسه على الحالة السابقة للأمور وتضع النشطاء في موضع أفضل كثيرا من أجل التقدم نحو مكاسب أكبر. وهذا، باختصار، تعريف جميل للانتصار. في عالم من التحديات والهزائم، حيث العوائق التي تواجه الحركات التقدمية هي عوائق هائلة، من السهل دائما أن تنطلق في العويل يائسا. لو لم يوجد أي سبب آخر سوى ذلك، يجب أن نطالب بأننا قد حققنا نصرا – وأننا يجب أن نحتفل به – قبل أن نمضي مستمرين في العمل قدما.
مارك انجلر، كاتب يعيش في مدينة نيويورك، ويمكن قراءة أعماله في: http://www.DemocracyUprising.
المساعدة البحثية لهذه المقالة قدمها جاسون رويي
__________
Research assistance for this article provided by Jason Rowe. Photo credit: U.S. Federal Government / Wikimedia Commons.