Translated into Arabic by Kefaya.org
باريس ولا طوكيو، وليست بيكين ولا نيويورك. وليست أيضا ساو باولو ولا ريو دي جانيرو.
لسوف يخبرك في حماس سكان مدينة بورتو اليجري بالبرازيل أن مدينتهم المتواضعة ذات الواحد ونصف مليون ساكن في جنوب البلاد الأقصى هي “المعقل الأخير للاشتراكية والروك أند رول”. حقا، أكشاك مغطاة بالتي شيرتات السوداء بلون الفتيات البكر الحديدية تتصدر الأسواق العامة، وتتصف بلدية المدينة منذ وقت طويل بأنها أحد معاقل حزب العمال البرازيلي القوية. ولكن اليوم، بورتو اليجري تعرف بشكل أحسن في أنحاء العالم، خصوصا بين هؤلاء الذين يتبنون مواقف راديكالية ضد الرأسمالية، وقوة شركات الكوربوريشن، والعدوانية العسكرية الأمريكية، كالموطن الأصلي للمنتدى الاجتماعي العالمي.
منذ خمس سنوات مضت، بعد احتجاجات سياتل الأخيرة في 1999، ولكن قبل الهجمات الإرهابية على برجي التجارة، آلاف النشطاء اجتمعوا في أول الأمر بالمدينة لمناقشة التحديات الحالية التي تفرضها شركات مثل إنرون وصندوق النقد الدولي. ومع القمة الخامسة المتتالية لهذا العام، فكرة عقد مجلس موسع تشاركي للشعوب في مقابل المنتدى الاقتصادي العالمي – التجمع السنوي الاحتكاري للنخبة الاقتصادية في دافوس، بسويسرا – لم تعد شيئا مبتكرا. المنتدى الاجتماعي جذب افتراضيا كل الشخصيات، من رؤساء الدول الأقوياء إلى أكثر أعداء التحضر صعلكة. من المحتمل أن معظم البسطاء من الـ 155 الف الذين حضروا هذا العام (طبقا لحسابات المنظمين) كانوا هم هؤلاء الصحفيين الذين أتوا ليفتحوا أفواههم بسذاجة أمام أكثر التجمعات إثارة للجدل كما لو أنها بزغت فجأة دون سابق إنذار يطاردها رعاة البقر في الأراضي الواطئة.
إن لم يكن هذا العام هو المنتدى الاجتماعي العالمي الأول، فمع ذلك، هناك مؤشرات تقول أنه سوف يكون بورتو اليجري الأخير، على الأقل في المستقبل المنظور. التقدمية المحلية الشهيرة التي جاءت بالمنتدى إلى مدينة بورتو اليجري أصبحت محل مساءلة عندما كسب عمدة معادي لحزب العمال، خوسيه فوجاكا، الانتخابات في الخريف الماضي. السيد فوجاكا، وقد أدرك أن جموع المنتدى كانت عاملا أساسيا للرواج الاقتصادي في المدينة، خفف من نبرة انتقاده الماضية للقمة التي كان يصورها على أنها “ديزني لاند” إيديولوجية. وما تزال، مدن أخرى تتحرق لوعة للحصول على دور في استضافة الحدث. (بينما أربعة من خمسة منتديات عقدت في بورتو اليجري، جرت أحداث منتدى 2004 في مومباي بالهند). أكثر من ذلك، هذا الصراع على الأدوار انتقد بشدة حتى أصبحت الأدوار أكثر ندرة. اللقاء الكوكبي الموحد أصبح كل سنتان؛ السنة القادمة سوف يركز المنظمون على إقامة منتديات على مستوى إقليمي. مسألة بورتو اليجري، ومن ثم، العيد السنوي الخامس للمنتدى، هل هما ما أصبحا الحدث الذي كان ذات مرة هو وأسم المدينة شيئا دالا على شيء واحد؟ وفي أي اتجاه ينمو المنتدى الاجتماعي العالمي، الذي اعتبروه كأنه بديل ومختبر للرؤى التقدمية واحتفال وود ستوك تتيبس عظامه بشكل سريع؟
“أنا مناضل سياسي”، هذا ما قاله الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو “لولا” دا سيلفا، مرتديا جاكت أبيض، بينما يخاطب استاد مملوء بالناس أثناء اليوم الأول من ورش العمل. “أنا أنتمي إلى هنا”. رغم تهدئته لزئير أنصاره الموالين له من حزب العمال، تشدد الصحافة على تضخيم أثر قسم صغير ولكن متحمس من معارضيه الذين عاقبوه على استمرار سداده لديون البرازيل الخارجية وفشله في إسقاط السياسات الاقتصادية التي وصفها لبلاده صندوق النقد الدولي. ورغم ذلك فمن الصحيح أن الرئيس، عامل المعادن السابق والقائد النقابي الذي رآه العديدون كأيقونة لليسار عندما تولى المنصب منذ سنتين، تعرض لنقد متفحص هو وإدارته في فعاليات متعددة داخل المنتدى ولمدة أسبوع. كما في المرات السابقة، زار لولا أيضا المنتدى الاقتصادي في دافوس هذا العام. ذهب، كما قال، في مهمة لمواجهة القادة الأثرياء بنفس المطالب التي تدعو لمحو الفقر نفس المطالب التي نادى بها كفارس في بورتو اليجري وتتضمن تلك المهمة أيضا صقل “جغرافيا جديدة” للسياسة لن تخضع فيها البلاد الجنوبية لفكرة اعتبارها بلادا متخلفة.
ومن الحقيقي أيضا أن لولا لم يستقبل نفس الاستقبال الحماسي الذي استقبل به الرئيس الفنزويلي هيوجو شافيز، الذي خاطب نفس الاستاد الممتلئ في آخر يوم من ورش العمل. لابسا لتي شيرت جيفار ذي اللون الأحمر الفاقع بنفس لون البيريه الذي يرتديه حرسه المنتبه، كان شافيز أقل ميلا من لولا للحديث عن “الشراكة” مع الشمال وأكثر ترجيحا لنبذ “الإمبريالية”. في مؤتمر صحفي قبل اللقاء الجماهيري، أعلن شافيز أن المنتدى الاجتماعي هو واحد من “أهم الأحداث السياسية التي تحدث كل سنة في العالم اليوم”، واستشهد بثورته “البوليفارية”، ولصق علامة “صنع في أمريكا” على محاولة انقلاب 2002 للإطاحة به. كانت نكتة شافيز البارعة هي أن السيدة “كوندوليسا” رايس “قد تقول أن شافيز قوة سلبية في أمريكا اللاتينية. أنا أقول أن حكومة الولايات المتحدة هي أكثر قوة سلبية في العالم اليوم”.
وحتى بينما يغادر الرئيسان المنتدى، كان عشرات من المتحدثين يترأسون فعاليات تجري في نفس الوقت داخل الخيام وفي مساحات كانت تستخدم كمخازن تنتشر على ثلاثة أميال طولا على ضفاف نهر جوايبا ببورتو اليجري. في السنوات الماضية، كان المنتدى يقام في الجامعة الكاثوليكية بالمدينة وتحفل الجلسات الكبيرة الصباحية بجمهور من المشاركين كبير يستمع إلى متحدثين مرموقين. هذا العام، كل الأحداث جرت في شكل جلسات ورش عمل “منظمة ذاتيا”. ورغم التهليل لهذا الشكل كانتصار للتخطيط الديموقراطي، فقد كان هذا الشكل يمثل تقليصا للإحساس بالهدف المشترك في القمة. لقد حفز هذا الشكل الشعور بأن هناك منتديات عدة، كبيرة وصغيرة، تحدث في نفس الوقت. “منذ ثلاث سنوات كان كل امرئ يتحدث عن خطة كولومبيا؛ ومنذ سنتان كانت العراق”، هذا ما تحدثت به إلى صديقة حضرت عدة مرات منتديات بورتو اليجري. هذه السنة ميزت صديقتي الحق في مياه عامة نظيفة كقضية المنتدى البازغة. ولكن، برنامج فعاليات المنتدى ذي مئات الصفحات كان عن تحديات الفقر، والتجارة، والحرب، والدين الكوكبي، بالإضافة إلى تطبيقات الحاسب الآلي مفتوحة المصدر (open source)، وتجارة تهريب النساء والفتيات، وأثر الثقافة على التغيير الاجتماعي، في حين أن أي محاولة لتمييز بؤرة وحيدة للتركيز قد تكون متعسفة بالضرورة.
حضور لولا وشافيز أثار النقاش حول قضيتهما الخاصة، واقتراحهما الخاص بالكيفية التي ينمو بها المنتدى: أسميا، سلطة الدولة. بعيدا عن “ديزني لاند”، واحد من أكثر التغيرات مغزى في أمريكا اللاتينية في السنوات الماضية هو ظهور الحكومات ذات ميل يساري – ليس فقط في البرازيل وفنزويلا، ولكن أيضا، لحدود متباينة، في الأرجنتين، وأوروجواي، والإكوادور، وتشيلي.
التحول يفرض تحديا أمام حركة العولمة، التي كان لديها دائما علاقة متحرجة مع الدولة. فمن ناحية، جدال البعض ضد سلطة المؤسسات المالية الغير قابلة للحساب أقامت بشكل غير نقدي مبادئ سيادة الدولة، زاعمين أن الحكومات المنتخبة يجب أن تكون قادرة على أن تقرر لنفسها أي سياسات اقتصادية تسعى من أجلها. هذا الموقف برهن على أنه محير بالنسبة لهؤلاء الذين يناضلون في بلادهم التي تحكمها نخب يمينية. من الناحية الأخرى، الشك الأناركي في أي تعامل مع الحكومات يمنع بعض البدائل الواقعية للنيوليبرالية – إنجازات مثل إنجازات فنزويلا بإعادة توزيع الثروة بواسطة البرامج الاجتماعية وقرار الأرجنتين بازدراء صندوق النقد الدولي وتجميد معظم أقساط سداد الديون.
وهكذا ظل ميثاق المنتدى، الذي يحظر على الأقل الاشتراك في الأحزاب السياسية، متماسكا بحزم. هؤلاء الذين هللوا لشافيز وإصلاحاته الديموقراطية الاجتماعية استدعوا المشاركة الايجابية على المستوى المحلي كأكثر الجوانب إيجابية من تحويل الحكومة. وحتى هؤلاء الذين انحازوا للدفاع عن لولا قالوا أن الضغط المطلوب هو لدفع الدولة باستمرار إلى التركيز على احتياجات الأغلبية الفقيرة في البرازيل. أثناء كل خطاب رئاسي منهما، كانت عشرات الفعاليات بالخارج تضع استراتيجبات كيفية توليد الضغط على هاتين الحكومتين – وكيفية تنفيذه على كل الحكومات، بغض النظر عن أنها صديقة.
“قد يكون لو كنت أصغر سنا”، أحد النشطاء من المحاربين القدامى علق بذلك موجها ملاحظته إلى، “لكنت أستطعت التعامل مع هذه الحرارة”. صيف أواخر يناير في بورتو اليجري كان قاسيا لا يرحم. كان البرازيليون يتجولون في الميدان الواسع في منطقة مخيمات ورش العمل وهم يلبسون ملابس رياضية وصدورهم عارية، بالشورتات البرمودة، والتنورات، متعاملين مع المنتدى كأنه شاطئ. بالنسبة لهؤلاء الذين كانوا لا يألفون الطقس، كان الصباح الجديد يأتي لهم برغبة متجددة بالاعتقاد أن بذور المجتمع الجديد قد زرعت في لقاءات اليوم القوية. ولكن فترة بعد الظهيرة واشتداد أشعة الشمس لها طريقتها في اشتداد شعور المرء بعدم الاحتمال والتفكير في ما إذا كان ذلك كله يستحق هذا العناء.
بينما وفر لولا مكانا للبداية، لم يكن واضحا أين يجب أن يذهب المرء بعد ذلك في محاولة جعل حضور هذا الاحتفال الساخن الفوار يبدو معقولا. بعض الأسماء الموجودة بالبرنامج والمألوفة أكثر للأمريكيين الشماليين – أرونداتي روي، نعوم شومسكي، نعومي كلاين، حتى كوفي عنان – لم تظهر في الأماكن والمواعيد المكتوبة، ولم يتأكد حتى أنهم موجودين بالبرازيل. ويبقى، نجوم العناوين. من بين المتحدثين البرازيليين، تجمعت الحشود حول نجم البوب مجدول الشعر ووزير الثقافة جيلبرتو جيل، والكاتبة فراي بيتو، والمفكر اللاهوتي ليوناردو بوف.
إذا مثلت سلطة الدولة تصورا محتملا في البداية لهدف المنتدى النهائي، بعض من المتحدثين البارزين طرحوا في النهاية اقتراحا ثانيا لاتجاه نمو المنتدى: أجندة مشتركة للعمل السياسي.
في أحد فعاليات المنتدى بعنوان فرعي “اليوتوبيا والسياسة”، خوسيه ساراماجو الحائز على جائزة نوبل، والمؤلف المشهور من أوروجواي ادواردو جالينو (جالسين على منصة نمطية كلها من الذكور) تبادلوا حوارا مثيرا للجدل حول التشابه بين دون كيشوت ونشطاء اليوم. بمستمعين يسدون ممرات أجنحة المسرح، احتفل جالينو بالتناقص الظاهر لعالم يرعى لمدة قرون في ذاكرته رواية بدأت حياتها في سجن، “لأن سيرفانتس كان مديونا، كما نحن الآن في أمريكا اللاتينية”. دافع سرفانتس عن نبض من اليوتوبيا كقوة للتغيير الاجتماعي، ناقلا عن تشي في خطابه الأخير لوالديه عبارة من سرفانتس: “مرة أخرى أشعر تحت كعبي أضلاع حصاني روسينانتي”، حصان كيشوت.
لم يكن لدى ساراماجو أي شيء من ذلك. “أعتبر مفهوم اليوتوبيا أسوأ من اللا جدوى”، كان هذا منطقه في الجدل. “الذي غير العالم لم يكن اليوتوبيا، ولكن الحاجة”. أيضا، “الوقت الوحيد والمكان الوحيد الذي يكون لعملنا أثره – حيث نستطيع أن نراه ونقيمه – هو الغد… دعونا لا ننتظر اليوتوبيا”.
على ما يبدو يفضل نظام المنتدى الأخلاقي آراء جالينو. ميثاق الحدث يشير إلى أنه ليس هيئة متعمدة، فهي لا تتخذ مواقف رسمية لمصلحة هذا التجمع. إلا أن دفاع ساراماجو عن المطالب القصيرة الأمد لاقى ترحيبا حماسيا باقيا. وفي نهاية الأسبوع، أصدر فريق من المشاركين المرموقين، يضم كلا الكاتبين، بيانا يكرر “إعلان بورتو اليجري” بنبرة جديدة. من بين فقراته، برنامج من اثني عشر نقطة يدعو لإلغاء الديون، والى ضريبة توبن على التحويلات المالية الدولية، والسيطرة المحلية على واردات الطعام، ومقرطة المؤسسات المالية الدولية. “نحن على ثقة بأن الغالبية العظمى من أناس المنتدى سوف تتفق مع هذا الاقتراح”، هذا ما صرح به للمراسلين، اجناسيو رامونيه، محرر اللوموند دبلوماتيك.
اتهامات النقاد التي وجهت مباشرة هي أن وثيقة المشاهير تخرق الطبيعة “الأفقية” للمنتدى. بعض الموقعين، مثل أحد منظمي المنتدى البرازيليين، شيكو ويتيكر، تحملوا الآلام للتشديد على أن المقترح كان مجرد واحد من مقترحات كثيرة خرجت. (النشرة الصحفية الختامية للمؤتمر أشارت بشكل مقتضب إلى أنه “قد تم قبول 352 مقترحا”). الآخرين مثل رامونيه، مع ذلك، أوضحوا أنهم يعتبرون مثل هذا البرنامج الذي يعمل على توحيد الناس هو أمر لا غنى عنه لو كان مقدرا للمنتدى أن يتحرك للامام كقوة سياسية.
رامونيه على حق في أن إعلانه من المحتمل أن يبرهن على أنه مقبول لمعظم المشاركين؛ ربما يكون هو على حق، أيضا، بأن افتقاد برنامجا محددا بشكل حسن للحركة سوف يسرع من الإحساس بأن القمم العالمية المتكررة سوف يزداد انفراطها. في نفس الوقت، مجموعة التسعة عشر التي ينتمي إليها أشارت إلى مشكلة حقيقية. غياب الآليات الرسمية للتمثيل، كل الجهود التي مورست من أجل القيادة في المنتدى كان يجب أن تأتي من هيئات مختارة ذاتيا. جهود وضع أجندة هذا العام، لم تخرج عن الشخصيات المرموقة من المتحدثين، ولكن على الأرجح نبعت في الأصل من المنظمات الغير حكومية الكبار. أوكسفام، وانقذوا الأطفال، مثلا، كانوا من بين هؤلاء الذين استخدموا المنتدى كمناسبة لإعلان نداء كوكبي للعمل ضد الفقر، والذي تبناه لولا والذي نال تغطية إعلامية وافية.
بعض الانتقادات الكبرى التي وجهت للمنتدى والتي ظهرت في السنوات القليلة الماضية استهدفت كل من الدور الضبابي لمنظمي الحدث وسلطة المنظمات الغير حكومية ذات التمويل الحسن. الانتقادات كان لها بعض الجدارة، ولكنها انتهت إلى التشديد على حقيقة أن الحدث في مجمله هو حدث انتقائي بشكل ذاتي. 85% من المشاركين في المنتدى خلال الأعوام الماضية جاء من البلد المضيف. هذا العام ساد المنتدى مرة أخرى البرازيليون، مع جيرانهم من أوروجواي والأرجنتين اللتان أرسلتا وفودا بارزة. بالنسبة لكل شخص آخر تكلفة وقود الطائرة كان مشكلة جدية. ربما كان من غير المعتاد عدم ذهاب كثير من النقابات إلى المنتدى، ولكن على عكسهم كان هذا العدد الكبير من مديري حملات المنظمات الغير حكومية حاضرا. محررو الصحف، وأساتذة الجامعات، وموظفي الهيئات ذوي الميول التقدمية كان من المتوقع سفرهم إلى هناك. ولكن عندما يصل الأمر إلى مشاركة منظمي نضال المجتمعات، خصوصا هؤلاء من الجنوب الكوكبي الأوسع، فقد كان من الملاحظ أن حضورهم كان صغيرا ولكن أقلية مرئية منهم ظهرت بمظهر قوي.
المشاركون الذين تحركوا مقتربين مع بعضهم البعض لصياغة أجندات مشتركة دون إلحاح من أعلى كانوا هؤلاء الذين مكثوا معا من أجل صف مستمر من ورش العمل في مناطق القضايا النوعية. اتفق نشطاء مناهضة الحرب على إقامة أيام عالمية في 19، 20 مارس بشكل متناسق للعمل. (خطط الاحتجاجات الجماهيرية في يوم الخامس عشر من فبراير 2003، ولدت بشكل مشابه في المنتدى الاجتماعي العالمي). روى العديد من المراقبين عن التقدم الذي أحرزه أنصار البيئة في وضع استراتيجيات حول التغير المناخي كمجهود مشترك ومهم.
سواء أكانت أشكال التقدم هذه تكفي مبررا للقيام برحلة في هذا القيظ البرازيلي أم لا، وسواء أكان المانيفستو حاجة ضرورية لإنقاذ المنتدى، أم لا، فتلك أمور سوف تخضع للجدال المستمر.
قلل الكاثوليك بشكل ملموس، فيما مضى عندما كان المنتدى يقام في منشآتهم، من بيع التي شيرتات الثورية في المنتدى. بدون هذا الضغط القامع للنزعة التجارية هذا العام، أكشاك الأطعمة، وبائعي الهدايا التذكارية اصطفوا على ضفاف النهر وتجولوا حاملين بضائعهم في ساحات المنتدى. وجود معسكر الشباب في وسط ساحة المنتدى عمق من جو المعارض في المكان. مدينة المخيمات الهائلة تلك – داخل مدينة اتسعت لسكن 35 الف شاب. هناك، يستطيع المارة مشاهدة الشباب على قبقاب التزلج وفرق دق الطبول، وحلقات السمر حول نيران المعسكرات، الخ.
الجانب الاحتفالي من الحدث أخذ بمحمل سيئ بشكل مفهوم من جانب هؤلاء الذين كانوا يسعون لطرد المنتدى. ولكن تلك المساحات المفتوحة أمدت أيضا هؤلاء المشاركين بإمكانيات التجول، والالتقاء، والتواصل. لو أن الرؤساء وحشود الاستاد احتلوا “الأكبر” من المنتدى الاجتماعي، والمنظمات الغير حكومية التي تعمل كوكيل دعائي احتلت “الأكبر التالي”، تلك الأماكن منحت مساحة لأقل تفاعل تبادلي. لقد كانت اللحظات القصيرة، أكثر منها ميل المنتدى للتظاهر الأعظم، هي التي ساعدت تهدئة بعض من شكوكي في اللقاء.
أخبرني أحد الأصدقاء، “السير بين الجلسات مع سيناتور إيطالي، والتحدث حول أفكار حملاتنا من أجل البيئة – هذا ما خرجت به من المنتدى”. في أحد حفلات الاستقبال التي نظمتها عدالة الجراس رووت الكوكبية، وفد من ممثلي مبادرات في المجتمعات المحلية من أنحاء الولايات المتحدة، ومشاركين أخبروني أن تفاعلهم التبادلي مع النشطاء الآخرين قد كان “ملهما”، بل أنه حتى كان “حول من أفكارهم”.
عندما زارت ليندا سيبيو، زعيمة في مركز ميامي العمالي، مزرعة كانت في السابق خاملة بالقرب من بورتو اليجري وقد استولت عليها حركة الفلاحين بلا أرض (MST)، رأت علاقة بين ذلك وبين كفاح ناسها أنفسهم للحصول على الأرض في أحياء فلوريدا التي تنمو بسرعة. قالت، “تقابلنا مع جماعات برازيلية تقيم تنظيمات على شاكلتنا، وقد أظهرنا لهم دعمنا”. ذلك ساعد كل منا على تدعيم ونمو قوته”.
التجول عبر مساحات المنتدى قد ينتج عنه مفاجآت مرضية. أخبرنني زميلة، زينب طوفي من معهد الدقة العامة، عن كيف أنها وهي، “متعبة، تحس بالحر، ولم تنال إلا أقل القليل من النوم”، تعثرت في أحد فعاليات ما بعد الظهيرة تتحدث عن حقوق الأرض وطائفة “المنبوذين” بالهند. انفعلت بشكل مفاجئ بالشهادة التي رويت لنا عن تشرد واستلاب حق هذه الطائفة. “لقد كان الأمر جادا ويخلو من أي تسلية لدرجة أنني لم أعرف بماذا أشعر”. وعندما انفجروا بالغناء والهتاف، قالت لي، “لقد كانت واحدة من أكثر اللحظات إخلاصا وخلوا من التصنع التي عشتها مع ناس تهتف بشعارات… حاولت أن أشرح ما هو الامتياز الذي تحسه وأنت موجود بين هؤلاء”.
استاذ جامعة ستانفورد وأحد شيوخ برامج الكمبيوتر المجانية لورنس لسيج كتب في بلوجه الخاص به عن السير خلال معسكر الشباب مع وزير الثقافة جيلبرتو جيل. كان يعترض السير شباب يحتج على وزير الثقافة جيل مطالبين بإذاعات حرة (كان جيل يؤجل النقاش) ويطلبون منه غناء بعض مقاطع من أغانيه (وكان الحشد يغني بالكامل معه). كتب لسيج “هنا وزير في حكومة، وجها لوجه مع أنصاره ومعارضيه”. “لا توجد أماكن ’لتتكلم بحرية‘. لا بنادق، ولا رجال يرتدون الزي الأسود، ولا تشنجات، وكثير من الصحافة. فقط تخيل”.
في أماكن أخرى شاهدت مجموعة من طلاب المدارس الثانوية يشدون الكراسي وسط زحام شديد خارج مباني المخازن المعبأة بالناس حيث العديد من المنظرين يتحدثون. لا نستطيع أن نرى من يعتلي المنصة، ولكن نظام الصوت كان يحمل أصواتهم إلى الخارج وسط السخونة القاسية. تراءى لي أن ذلك كان مشهدا رائعا. أن تتطلع إلى هؤلاء المراهقين في الشمس الحارقة، يستمعون بانتباه إلى محاضرة على درجة عالية من التجريد يلقيها مؤلف كتاب الإمبراطورية مايكل هارت، يجب أن تكتسب يقينا جديدا في صبر وإخلاص الأجيال القادمة.
قليل من التقدميين سوف يجادلون بأن المنتدى الاجتماعي العالمي بدون أخطاء. إلا أن القليل، حتى من بين نقاده، سوف يتمسكون بأن الحركات سوف تكون أفضل لو توقف المنتدى عن الوجود. تقييم الحدث يتضمن مزيج من الانتقادات والإمكانيات الكامنة، وغالبا ما ينتهي إلى درجة رمادية غير مرضية.
ماذا، إذا، يمكن أن يقال بشكل محدد عن حالة المنتدى؟
التصور الأصلي للحدث يبقى سليما. هناك قيمة في وجود مكان لتلك الحركات الاجتماعية التي تنبثق من الأمل والحاجة لتوحيد الجهود، مكان يدعو الناس التي تضحي بطاقاتها في هذه الحركات لتطوير وتصميم استراتيجبات عابرة للقوميات لمواجهة مشاكل كوكبية. ضد أغنياء دافوس، هناك احتياج إلى مكان يستمد شرعيته من طبيعته التشاركية.
كمساحة ايجابية، لم تتأسس كاحتجاج جماعي خارج اجتماع لمنظمة التجارة العالمية أو صندوق النقد الدولي، لا زال المنتدى يوفر فرصة فريدة لوضع أجندة بديلة من أجل العولمة. تأثيره على دافوس، حيث تلتقط النخب صورا تذكارية وهي تتفكر في مشاكل الفقر والإيدز، لا يمكن إنكاره.
ما زال المنتدى ينمو؛ كل سنة أوسع من العام السابق. لم يركد في هذا المقام. سوف يحفز من هم على علاقة به عن طريق الحشد النشط لزعماء الحركات الاجتماعية – ويبذل مجهودا لترجيح الميزان ضد الأعضاء المؤسسين الذين يحضرونه توا كممثلين انتقوا أنفسهم – وبتكريس مزيد من الوقت للحوار الذي لا يقوم على النموذج القياسي لمنصة محاضرات الجامعة.
يحتاج المنتدى إلى أن يكون حدثا غير متوقع. من الحكمة بالنسبة له أن يتحول إلى حدث يقع كل سنتان؛ الانعقاد السنوي كان في طريقه لأن يصبح روتينيا، ومألوفا جدا. ولقد كان من الخطأ أن يعود إلى بورتو اليجري. ربح المنتدى الكثير برحلته إلى مومباي، وديناميكية اندفاعه إلى الأمام تتطلب أن يستمر في ضم تمثيلا أعظم من أجزاء جديدة من العالم. منتدى عام 2007، الذي سوف يقام في أفريقيا، مشحون بكثير من الوعود لهذا السبب.
الحاجة للتحرك قدما ليست حقيقة سعيدة على إطلاقها. في الليلة الأخيرة للمنتدى، سرت على ضفة نهر جوايبا شاعرا بالإحباط بسبب المحاضرة الغامضة التي شاهدتها هذا اليوم. ولكن عندئذ تنسمت هواء النهر ونظرت حولي على الحشد الذي يتحرك في الغسق. جلست جماعة ترتدي تي شيرتات الاتحاد على العشب، تتجاذب أطراف الحديث مع الباعة الذين يبيعون اللحوم المشوية؛ جماعة الـ capoeira تتوزع إلى فرق في الشوارع؛ ممثلون هزليون مناهضون لبوش يوزعون منشورات دعاية لموقعهم على الانترنت؛ حلقة من الناس خارج خيمة لحقوق السكان الأصليين يرقصون جماعيا. في تلك اللحظة، شعرت بالحزن لأن كل ذلك سوف ينتهي. بورتو اليجري، بلا شك، هي الأخرى سوف تكون حزينة لفراق هؤلاء.
مارك انجلر، كاتب يعيش في مدينة نيويورك، ويمكن قراءة أعماله في: http://www.DemocracyUprising.
المساعدة البحثية لهذه المقالة قدمها جاسون رويي