Translated into Arabic by Ahewar.
لو انصت الى مفكري اليمين والمسئولين الجمهوريين، تصبح عودة الثوري السابق دانييل اورتيجا الى السلطة في نيكاراجوا ليست شاهدا على المسيرة الديموقراطية ولكنها بالاحرى دعوة الى الطغيان الشيوعي، والارهاب وحتى الى محرقة نووية. يبدو انه في الخامس من نوفمبر ذهب النيكاراجويون الى صناديق الاقتراع واقترفوا ذنب اختيار قائد لا يفضله البيت الابيض. اورتيجا، بعد تعداد اكثر من 60% من الاصوات حتى الان، قد كسب 39%، بينما اقرب منافسيه، البنكي اليميني ادواردو مونتيلجري من تحالف نيكاراجوا الليبرالي، قد حصل على 31% فقط. في سباق الرئاسة الخماسي المراحل، هذا الفرق يكفي لتحقيق النصر للائتلاف الذي تقوده الساندينستا بزعامة اورتيجا، ليمنح الحزب السياسي السيطرة التنفيذية لاول مرة منذ التسعينات.
العينة الاحصائية للدوائر الانتخابية ترجح ان تقدم اورتيجا سوف يستمر، وقد دفع هذا التوقع المحافظين في الولايات المتحدة الى بعض نوبات من الهياج الخطابي المتضخم بشكل خيالي. في مطبوعة الناشيونال ريفيو، كاتب خطب الرئيسين ريجان وبوش الاب السابق، مارك كلوجمان، كتب، “نيكاراجوا التي تفتح زراعيها للراديكالية القاتلة تشكل تهديدا لامريكا والعالم… قد تكون كوريا الشمالية وايران النوويتان في موقع بعيد، ومع حليف بهذا القرب من حدودنا المتسيبة، يقوم بتدبير هذا الرعب الذي كنا نعتقد في السابق ان الاتحاد السوفيتي هو الذي يستطيع وحده تهديد بلادنا في الداخل”.
طبعا، الرواية الخيالية بأن امة من امريكا الوسطى صغيرة وفقيرة وهامشية من زاوية الجغرافيا السياسية يمكنها ان تكون خطرا كبيرا على الامن القومي الامريكي هي العمود الفقري للافلام السينمائية الدعائية في حقبة الحرب الباردة مثل فيلم الفجر الاحمر. هذا الخيال يعكس حزمة افكار السياسة الخارجية عند المحافظين في واشنطن ولكنه لا يماثل اي شي في الواقع الحقيقي.
عودة دانييل اورتيجا الى سدة الرئاسة في نيكاراجوا من الصعب ان يحمل خطرا جديدا مهددا لاراضي الوطن الام الامريكي. ولكنه مع ذلك يشكل علامة على تطورين هامين في نهوض امريكا لاتينية مستقلة بشكل متزايد. التطور الاول، مع الاخذ في الاعتبار المحاولات المنظمة لادارة بوش من اجل السيطرة على نتائج الانتخابات، يشكل علامة على ان التهديدات الامريكية باتخاذ تدابير انتقامية لم تعد كافية لمنع مواطني امريكا اللاتينية من التصويت لصالح الزعماء المستعدين لعرقلة برنامج واشنطن الاقتصادي. التطور الثاني، رغم موقف اورتيجا العميق كشخصية سياسية توافقية، انتخابه يوفر بابا متواضعا للامل بأن ادارة جديدة لنيكاراجوا قد يكون اداءها في مواجهة الفقر المتوطن في البلاد افضل من الحكم النيوليبرالي الذي استمر طوال الستة عشر عاما الماضية.
القصص المرعبة التي يدبجها المرشدون الروحيون لليمين المحافظ مثل كلوجمان تردد فقط اصداء اجراس الانذار الاكثر رزانة لحد ما التي قرعها المشرعون الجمهوريون اثناء حملة الانتخابات الرئاسية في نيكاراجوا. في السنوات الاخيرة، اختار البيت الابيض موقف الصمت اثناء العديد من المنافسات الانتخابية في امريكا اللاتينية. ولا يعكس ذلك الموقف احتراما اعيد اكتشافه لحق تقرير المصير الديموقراطي؛ انه موقف براجماتي. تعلمت واشنطن بصعوبة ان ردها الانتقامي على النتائج قد يأتي بنتائج عكسية عندما توجه هذا الانتقام الى الناخبين الامريكيين اللاتينيين الذين يشتعلون غضبا من السياسة الاقتصادية التي يمليها عليهم الشمال – مثلما حدث في بوليفيا عام 2002، عندما هاجمت الولايات المتحدة ايفو موراليس فساعدته على الانتصار وكسب مكانة اوصلته في الاخير الى الرئاسة هذا العام. ومع ذلك، حافظت الولايات المتحدة على سياسة التدخل المكشوف في بعض الانتخابات، خصوصا مواقع الحرب الباردة الساخنة مثل نيكاراجوا والسلفادور.
جهود الولايات المتحدة طوال العام الماضي لمنع الناخبين في نيكاراجوا من اختيار اورتيجا كانت شديدة الوطأة على نحو خاص. السفير الامريكي بول تريفيللي، منتهكا الاعراف الدبلوماسية، عبر علنا عن تفضيله لخصم اورتيجا، وقام بمحاولات متكررة لتوحيد اليمين في نيكاراجوا للوقوف حول مرشح واحد. (فشل، وقد ساعد انقسام المحافظين في نيكاراجوا على تمهيد الطريق لانتصار الساندينستا). اضافة لوساطات تريفيللي، وزير التجارة الامريكي كارلوس جوتيريز عرض اكثر من 220 مليون دولار امريكي في شكل معونة ومئات الملايين من الدولارات اضافية في شكل استثمارات، وأن هذه الاموال يغامر بها الناخبون اذا ما اختاروا المرشح الخطأ.
في الاسبوع الاخير من الحملة، صعد العديد من اعضاء الكونجرس الجمهوريين من هذه التهديدات. وكانت اكثر التهديدات تطرفا هو التهديد بمنع تحويلات اموال المهاجرين النيكاراجويين في الولايات المتحدة الى عائلاتهم الفقيرة في موطنهم بامريكا الوسطى. في الثلاثين من اكتوبر كتب النائب توم تانكريدو رسالة الى السفير النيكاراجوي سالفادور ستاتهاجن، “اذا ما سيطرت الساندينستا على الحكومة في نيكاراجوا، ربما يصبح من الضروري بالنسبة لسلطات الولايات المتحدة ان تفحص بشكل دقيق وربما تضع ضوابط خاصة محتملة على تدفق الثمانمائة وخمسون مليون دولار امريكي المحولة من الولايات المتحدة الى نيكاراجوا – وهو لسوء الحظ سوف يسبب معاناة وشقاء كثير من الناس الذين يعيشون في نيكاراجوا”. في رسالة مفتوحة الى وزيرة الخارجية كوندوليسا رايس، اضاف النائبان اد رويس وبيتر هويكسترا، “نحن نشارك السفير الامريكي لنيكاراجوا بول تريفيللي في تقييمه ان انتصار اورتيجا سوف يدفع الولايات المتحدة الى ’اعادة تقييمها‘ بالكامل للعلاقات مع نيكاراجوا”.
وما زالت حية في الذاكرة المقاطعة الاقتصادية المنهكة التي فرضتها الولايات المتحدة على نيكاراجوا في الثمانينات، لم يأخذ الناخبون النيكاراجويون هذه التهديدات على محمل الهزل. في التسعينات اعلنت الولايات المتحدة بوضوح ان المقاطعة اضافة الى تمويل قوات الكونترا الارهابية سوف يستأنف اذا ما اعيد انتخاب اورتيجا. لعب هذا الابتزاز دورا حاسما في ابعاد الساندينستا عن الفوز بالحكومة.
للمفارقة، وبينما الولايات المتحدة حتى تصور اورتيجا كيساري ملتزم وغير تائب عن يساريته، يصبح القلق الحقيقي هو هل تخلى الرجل تماما عن مثالياته التقدمية التي اعتنقها ذات مرة عندما كان قائدا في الحركة التي اطاحت بديكتاتورية سوموزا التي حكمت نيكاراجوا طويلا. يتعرض اورتيجا لانتقاد رفاقه بسبب قبضته الشديدة على قيادة الساندينستا، محبطا محاولات عديدة لمقرطة الحزب وطرده لاعضاء مثل عمدة ماناجوا السابق هيرتي لويتز، الذي اعلن نواياه بتحدي سلطة اورتيجا. في التسعينات، العديد من اكثر الشخصيات الثقافية والفكرية بروزا في حركة الساندينستا، بمن فيهم الشاعر واحد رجال لاهوت التحرير ارنستو كاردينال، والشاعر والروائية جيوكوندا بيللي والنائب السابق لاورتيجا في الرئاسة سيرجيو راميريز، انشقوا عليه لتشكيل حزب، حركة تجديد الساندينستا. في النصف الاول من هذا العام، برز لويتز بقوة كمرشح الحزب للرئاسة، ولكنه تعرض لنوبة قلبية شديدة ومات في يوليو، مما عوق جهود حركة تجديد الساندينستا في الدورة الانتخابية.
سجل اورتيجا، بعيدا عن الصراعات الداخلية في الحركة، تلوث بعدد من الفضائح العامة. في 1998 ابنة زوجته البالغة، زويلاميركا نارفئيز، اتهمت اورتيجا باستغلالها جنسيا لسنوات، بدءا من سنوات مراهقتها. في العام التالي، توسط اورتيجا في عقد حلف مع ارنولدو اليمان الذي كان رئيسا للبلاد وقتها، وكان يواجه اتهامات بالفساد. الباكتو، او الحلف كما كان معروفا وقتها في نيكارجوا بشكل سيء الصيت، مكن كلا الرجلين من تجنب التقديم للمحاكمة عن طريق منحهم الحصانة البرلمانية. كما جعل اورتيجا في واحدة من اقوى سلطات البلاد ذات الوزن للسمسرة باعطائه السيطرة على العديد من التعيينات في الوظائف الحكومية. وبينما كان هذا الحلف قائما، نزعت عن اليمان فيما بعد حصانته وهو الان تحت الاقامة الجبرية في منزله، وقد ادين باختلاس ما يقرب من 100 مليون دولار من الحكومة.
ورغم زلات اورتيجا العديدة، عودة الساندينستا الى السلطة تخلق امكانية التغيير التي تستطيع على نحو فريد إفادة الفقراء في نيكاراجوا بمنافع. قاد اورتيجا حملته على اساس برنامج ينتقد “الرأسمالية البربرية” التي تنفذها الحكومات اليمينية المحافظة المتوالية التي حكمت البلاد طوال الستة عشر عاما الماضية. في العقد والنصف منذ انتهاء حرب الكونترا، فشلت السياسات النيوليبرالية مثل خصخصة القطاع العام الصناعي وخلق “مناطق تجارية حرة” في تدشين اصحاح اقتصادي. اليوم توضع نيكاراجوا مع هاييتي وبوليفيا في مرتبة ضمن افقر الامم في نصف الكرة الارضية الغربي. ويبقى علينا ان ننتظر على اي شاكلة سوف يبدو البرنامج السياسي لاورتيجا اثناء فترة ولايته الجديدة كرئيس هل سوف يستطيع ان يظل مسئولا امام جماهير الفقراء التي يدعي انه يمثلهم وهل سوف يستطيع حزبه عكس مسار الاتجاهات التي تسبب المعاناة والالام واليأس. ولكن لا يوجد اي سبب لعدم الابتهاج والترحيب بالناخبين النيكاراجويين الذين تصدوا ووقفوا في وجه تهديدات الجمهوريين، ورفضوا استمرار النيوليبرالية وطالبوا بأداء افضل من حكومتهم.
—
مارك انجلر، كاتب يعيش في مدينة نيويورك، ويمكن قراءة أعماله في: http://www.DemocracyUprising.
المساعدة البحثية لهذه المقالة قدمها جاسون رويي
__________
Research assistance for this article provided by Fernando Braga. Photo credit: Fundscion Ong DE Nicaragua / Wikimedia Commons.